]شهد المجتمع المصري في الآونة الأخيرة بروز ما يعرف بظاهرة الزواج العرفي.
الزواج العرفي اكتسب تسميته لأنه كان عرفاً اعتاد عليه أفراد المجتمع الإسلامي منذ عهد الرسول وما بعد ذلك من مراحل متعاقبة.
لم يكن المسلمون في يوم من الأيام يهتمون بتوثيق الزواج، ولم يعن ذلك لهم
أي حرج فاطمئنوا إليه. ولكن مع تزايد أفراد المجتمع الإسلامي ظهرت الحاجة
إلى توثيق عقود الزواج لحفظ الأنساب وحماية حقوق الأفراد. والزواج العرفي ليس بجديد على المجتمع المصري الحديث حيث كانت تلجأ إليه
أرامل الضباط أو المطلقات للاحتفاظ بمعاشهن أو حضانة الأبناء وهما عادة من
الحقوق التي تفقدها الأرملة أو المطلقة بزواجها مرة أخرى. لكن الجديد هو
تفشي هذه الظاهرة بين الشباب وخاصة طلبة الجامعة. وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية عن حالات الزواج العرفي في مصر
لأنها عادة ما تتم سراً، إلا أن وزارة العدل المصرية ذكرت مؤخراً أن هناك
ما يقرب من ثلاثة عشر ألف قضية إثبات بنوة تنظر فيها المحاكم المصرية-
أكثر من سبعين بالمئة منها نتيجة للزواج العرفي.
كما تشير إحصائيات غير رسمية أيضاً إلى أن نسبة الزواج السري بين طالبات الجامعة تشكل 6% من مجموع الطالبات المصريات.
إلا أن الدكتور صفوت حجازي عضو المجمع العلمي لبحوث القرآن والسنة
يرى أن عدد تلك الحالات في المجتمع لا يرقي لمستوى الظاهرة وألقى بالائمة
على وسائل الإعلام التي يقول إنها "تسلط الضوء على هذه القضايا الشاذة حتى
يضفي عليها هالة من الانتشار. نسبة عدد هذه الحالات مقابل عدد السكان هي
نسبة لا تذكر.
ومن القضايا المتعلقة بالزواج العرفي والتي ظهرت على الساحة مؤخراً
وتناولتها كافة وسائل الإعلام هي قضية هند الحناوي التي تقدمت للمحاكم
المصرية تطلب نسب طفلتها إلى الفنان الشاب أحمد الفيشاوي الذي تزوجته
عرفياً. وقد قررت المحكمة إحالة الأب والطفلة إلى الطب الشرعي لإجراء
تحليل للحامض النووي للتأكد من النسب. ولكن هل تسليط الضوء على قضية هند الحناوي قد يشجع فتيات أخريات في ظروف
مشابهة على التقدم للقضاء للحصول على حقوقهن؟ تجيب على السؤال المخرجة
السينمائية عطيات الأبنودي المقربة من أسرة الحناوي فتقول إنها تريد من كل
فتاة أقدمت على الزواج عرفياً أن تتحمل مسئولية أفعالها ولا تلجأ لوسائل
أخرى مثل الإجهاض في حالة الحمل أو إجراء جراحة لإعادة عذريتها والتستر
على زواجها عرفياً.
وقالت: "لا أتوقع أن تكون الفتيات جميعهن في مثل شجاعة هند. لكنني أتمنى أن تشجع قضية هند الكثيرات".
الدكتور صفوت حجازي- من جانبه- يلقي اللوم في أي قضية زواج عرفي بين شباب
الجامعة على الأسرة التي فشلت في تربية أبنائها وبناتها طبقاً للمبادئ
والأخلاقيات الإسلامية. وأرجع الأسباب أيضاً إلى الفهم الخاطئ للحرية
وتشجيع الاختلاط غير المحسوب بين الفتيات والشباب.
حل لاحتواء الأزمة؟
إلا أن كثيرين يرون أن للقضية أسباباً أخرى وأبعاداً أكثر تعقيدا.
فعندما تجولت بميكروفون بي بي سي في شوارع القاهرة الكبرى والجيزة
وضواحيهما لاحظت تبايناً شديداً في الآراء حول مدى شرعية الزواج العرفي
ومدى تقبل المجتمع لهذه الظاهرة بشكلها الحالي. الملفت للنظر أنني عندما توجهت لحرم جامعة عين شمس والتقيت ببعض الطلبة
والطالبات، أكد لي معظمهم أن الزواج السري منتشر في الجامعات وأنهم يعرفون
حكايات عن بعض من أقدموا على هذا النوع من الزواج.
لكن الغريب هو أنني لم أجد بين هؤلاء من تخبرني أو يخبرني بأنه طرف في
تجربة من هذا النوع. الجميع يؤكد معرفته بحالات وينكر تورطه فيها. وكأن
المتزوجين سرياً من الطلبة والطالبات هم أشباح لا وجود لهم. أما عن أسباب انتشار الظاهرة بين الشباب فقد تنوعت وتعددت، وإن كان جميع
من قابلت قد اتفقوا على أن العامل الاقتصادي هو السبب الأول وراء العديد
من المشكلات التي تواجه الشباب. وتقول الكاتبة الصحفية إقبال بركة إن الظروف الاقتصادية الصعبة عادة ما
تحول دون نجاح الشباب في تحقيق أحلامهم بالزواج في سن مبكرة. وهي تعتقد أن
السبب "اقتصادي بحت". تقول الكاتبة إن هؤلاء الشباب ليست لديهم القدرة المادية على شراء مسكن
للزوجية أو الإنفاق على الزوجة، وبالتالي يلجأ الشباب لهذا النوع من
الزواج الذي لا يلتزم فيه بمسئوليات كبيرة. ويري محمد وهو طالب بكلية الهندسة جامعة عين شمس أن شباب الجامعة يلجأون
للزواج العرفي لإشباع رغبتهم الجنسية في تقليد ومحاكاة لنمط الحياة
الغربية كما تظهرها الأفلام السينمائية والمسلسلات الأجنبية.
لكن المخرجة السينمائية عطيات الأبنودي تنفي أن تكون هذه الأفلام والمسلسلات صاحبة التأثير الأكبر.
الإنساني موجود بالأساس، لكن هذه الأفلام التي تعكس الحياة الغربية لفتت
أنظار الشباب إلى أنهم إذا مارسوا تلك الحقوق الطبيعية لن تنقلب الدنيا
رأساً على عقب
وتقول "هذا ليس صحيحاً.. فالاحتياج الإنساني موجود بالأساس، لكن هذه
الأفلام التي تعكس الحياة الغربية لفتت أنظار الشباب إلى أنهم إذا مارسوا
تلك الحقوق الطبيعية لن تنقلب الدنيا رأساً على عقب. ولكن لأن ضمائر
الشباب لا ترضي بإقامة علاقات غير مشروعة فقد لجأوا للزواج العرفي".
فهل يعني ذلك أن منح الشباب المزيد من الحرية الجنسية ربما يكون
حلاً لاحتواء الظاهرة؟ توجهت بسؤالي لسالي فتاة في منتصف العشرينات خريجة
الجامعة الأمريكية بالقاهرة فبادرتني قائلة إن ممارسة الجنس قبل الزواج هي
مسألة حرية شخصية. وقالت إن الكبت يولد الانفجار وأن المجتمعات المغلقة لا تعرف كيف تتعامل
مع مشكلات من هذا النوع لأن القضية ليست مطروحة أصلاً. ففي الغرب، الناس
هناك تحاول إيجاد حلول لمشكلات من هذا النوع لأن القضية تكون مطروحة. لكن صديقتها التي شاركتنا الحوار، عارضت هذا الرأي وحذرت الشباب من اللجوء
لهذه العلاقات لأن ذلك من شأنه أن يؤثر على المجتمع إذ سيخلق عناصر غير
شرعية لا تعرف لها هوية.
وهل الإغراق في محاكاة نمط الحياة الغربي يعني أن الوازع الديني آخذ في التلاشي في مواجهة مؤثرات حضارية وافدة؟
الكاتبة الصحفية إقبال بركة ترد بالقول إن الوازع الديني كان أقوي في
السابق وكان هناك نوع من الوقاية الاجتماعية تتمثل في زواج الشاب والفتاة
في سن مبكرة فكان كل منهما يصبر حتى ينال ما يريد بالزواج وفق الصورة
المقبولة اجتماعياً ودينيا. أما الدكتور الحناوي والد هند التي لجأت للقضاء لإثبات بنوة طفلتها من
فنان شاب، فأكد على ضرورة أن تقدم تسهيلات للشباب في أمور الزواج وقال إن
المجتمع فشل في حل مشكلات شبابه، فلا يجب إذن معاقبة الشباب إذا ما حاولوا
حل مشكلاتهم بطريقتهم الخاصة.
منقول للافادة
مع تحياتى /البروفيسور/ احمد مختار